14‏/09‏/2011

زيدان ولد التراد كما عرفته

الأستاذ/ أحمد يسلم ولد المختار (لكوارب ـ أرشيف)
مساء الأحد الماضي 12-09-2011 ودعت موريتانيا واحدا من أبر أبنائها وأكثرهم كفاءة، وأصيبت إذاعتها في مقتل عندما غادرها ـ إلى غير رجعة ـ ذلك الفتى المهني الملتزم الذي يعز عليها أن تجد له بديلا، وفقدت الصحافة الوطنية شخصية من العيار الثقيل ثقافة وفهما وإدراكا.


رحل الصحفي المقتدر والمثقف الأديب وابن موريتانيا البار زيدان ولد التراد الذي شهد له جميع من عرفوه بالاستقامة والنزاهة والأمانة في مجال يصعب فيه على غير المخلصين المحافظة على التوازن والتمسك بالثوابت والقيم.

حـكـمُ المنـيَّـةِ فـــي الـبـريَّـةِ جـــار       مـــا هـــذه الـدُّنـيــا بــــدار قــــرارِ
بيـنـا يُــرى الإنـسـانُ فيـهـا مُخـبـراً      حـتَّـى يُــرى خـبـراً مــن الأَخـبــارِ

رحل زيدان عن عالمنا الدنيوي مخلفا وراءه فراغا كبيرا سيظل على مر الأيام والليالي جرحا غائرا في جسم مهنة المتاعب التي خبرها وخبرته فعرفته فتى مهنيا نزيها شريفا لا يساوم على الثوابت ولا يبيع الضمير بأي ثمن، ألفته كما قال الشاعر:
فتى ماجد واف صبور محافظ    على العهد والود الذي هو طبعه

تعود بداية تعرفي على شخصية المرحوم زيدان ولد التراد إلى سنوات ليست بالكثيرة في عددها لكنها بالنسبة لي تعادل سنين كثيرة من حيث القيمة والنتيجة، فكان الأخ الناصح والموجه الأمين بكلمات تجمع بين الاختصار المفيد والصدق الذي يبدو جليا على ملامح محياه البهي.

لا أزال أتذكر يوم التقينا بمحض الصدفة عندما أسعفني الحظ بمجاورته فكنا نتحدث في مواضيع عدة ونتجاذب أطراف الحديث ونتبادل الآراء والأفكار، فلم يكن ليغتاب ـ طوال حديثه ـ أحدا من الناس أو ينقص من قدره، بل كان مقبلا على شأنه صدوقا في أقواله وفيا في معاملاته لا تأخذه في الله لومة لائم.

لقد دفع زيدان ثمن مواقفه الشريفة ورؤيته المتوازنة فهمش لسنوات عدة رغم كفاءته العالية وخبرته الطويلة وثقافته الواسعة، لأنه ـ ببساطة ـ رفض المساومة على الكرامة وامتنع من السير في ركاب المنافقين المتزلفين، وأصر على التمسك بأخلاقه الحسنة ومنهجه السليم مستسهلا في سبيل ذلك كل صعب ومتحملا أثقال الأمانة التي ظل طيلة حياته الحافلة بالعطاء وفيا لها.

أتذكر ه ذات مرة ونحن نتحدث حول بعض المسلكيات المشينة، فلم أستطع إخفاء تضجري الشديد منها فرد علي بحكمته المعتادة وابتسامته المعهودة "لا يزعجنك شيء من ذلك وعليك بتأدية عملك والقيام بمسؤوليتك بمهنية صادقة، وكن يقظ الضمير ولا تبال بالمفسدين، وإياك والتهاون وضعف العزيمة واعلم أنك مسؤول أمام الله ولا تنظر إلى من فرطوا في أماناتهم فكل الدنيا زائلة لا محالة".

كانت كلماته الحكيمة وأحاديثه الشيقة تنزل على القلوب بردا وسلاما، فصار كل لقاء يجمعنا بمثابة محطة أتزود منها حكمة ووعظا فأستلهم من سمته الحسن معاني التضحية والتفاني في العمل، وكأنما ينشد لسان الحال عندما تعود بي الذاكرة إلى أيام قليلة مضت فأتذكر طلعته البهية وكلماته الساحرة:
يا من رأيتك فى دمى         نبضا يفيض بلا انتهاء
وعرفت صوتك مثلما          يصغي المتيم للغناء
ورأيت صورتك التي       تشفى العيون من الشقاء
أتراه ينفعك البكاء              إذا بكيتك كالنساء
إذا سألت العابرين           عن التصبر والعزاء

كان آخر عهدي به يوم لقيته قبيل شهر رمضان المبارك في مدينة روصو وودعته على أمل لقاء لم يكتب له أن يكون، ولا تزال آخر كلماته ترن في أذني وكأنه يوصيني وصية مودع أدرك حقائق الأمور ببصيرته النافذة وتجربته الناضجة "سر فيما يرضي الله واحذر من مسايرة الفاسدين فعاقبتهم حسرة وندامة".

رحمك الله يا زيدان وغمدك بنعيمه الدائم وتقبلك شهيدا في أعلى عليين مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأستاذ/ أحمد يسلم ولد المختار

هناك تعليق واحد:

  1. استاذ مبدع شكرالك باسم تلاميذة روصو

    ردحذف